أعلى

 

تركتُ جنيف صبيحة ذلك اليوم، وكانت شمس الصباح تزيح تلك الغمامات السابحة في الأفق، مبشرة بيوم مشمس ودافئ في الربوع السويسرية. محطة جنيف لقطارات سكك الحديد كانت وجهتي الأولى، حيث ينتظر قطار الحادية عشرة والنصف بوجهة لوزان، والذي وصلها في الوقت المحدد تماماً. فالقطارات السويسرية دقيقة بمواعيدها مثل ساعاتها الشهيرة.

 

سلك القطار طريقه، وانعطف نحو الطرف الشمالي من بحيرة جنيف، فكان لي نصيب وافر من تلك المناظر الطبيعية التي كانت تتمايل مع نسمات الصباح الهادئة، وتستمد جمالها من الصفوف الطويلة لكروم العنب المزروعة عبر خطوط ممتدة من أسفل التلال إلى أعلاها، ومن تلك البيوت التي تحاذي الجبال والتلال والتي تتشابك حيناً وتتباعد حيناً آخر في إطار ملفت للنظر.

 

في غمرة تلك المناظر الطبيعية، وبعد حوالى 35 دقيقة، وصلت إلى محطة لوزان للقطارات، وهناك كان بانتظاري سائق من فندق «بوريفاج بالاس» Beau-Rivage Palace الذي رحب بي في العاصمة الأولمبية.

 

اليوم الأول

أترك محطة القطار، وأسلم نفسي لسيارة الفندق التي راحت تجوب عمق المدينة وتتوغل في شوارعها قبل أن تتجه إلى اليسار وتدخل طريقاً خاصاً محاطاً بالأشجار العتيقة – إنه طريق الفندق. تلك الصورة جعلتني أستحضر صورة طريق منزلنا الصيفي في إحدى القرى اللبنانية القريبة من مدينة جبيل التاريخية. فالشبه كبير إلى أقصى الحدود، وحتى رائحة أشجار الشربين والصنوبر والأرز التي عطرت أنفاسي، وأشعلت نار الحنين إلى القرية، ورحت أعيش لبنان بالصورة واللون والرائحة ولو للحظات قليلة.

 

ما إن أجريت معاملات الإقامة في الفندق، حتى سارعت إلى جناحي في الطابق العلوي، وفيه تمتزج الديكورات الكلاسيكية مع وسائل الراحة العصرية. مفاجأة الجناح السارة كانت عندما فتحت باب الشرفة العريض، فانبسط أمامي أكثر المناظر سحراً وروعة – بحيرة جنيف الفيروزية، وفي الأفق البعيد جبال الألب بقممها المكللة بالثلوج، وهي العين الساهرة على سويسرا وعلى العديد من البلدات والقرى الفرنسية التي ترتاح عند أقدامها.

 

مناظر بديعة حملتني إليها دون استئذان، وتمنيت تأملها لوقت أطول لولا رنين جرس الهاتف في غرفتي. فالغداء كان بانتظاري. في مطعم «كافيه بوريفاج» Café Beau-Rivage التقيت «بريس شاتلن» مسؤول المبيعات في الفندق، الذي أخبرني انه يعيش على الطرف الجنوبي من البحيرة، أي في القسم الفرنسي، حيث تقع مدن تونون لي بان وإيفوار وإيفيان الشهيرة بمياهها المعدنية. وعند إشراقة صباح كل يوم، يبحر على متن مركب صغير قاصداً مقر عمله في الفندق.

 

وحالة «بريس» ليست استثنائية، فمعاشات سويسرا المغرية وقربها من الحدود الفرنسية، جعلتها تستقطب يومياً آلاف العمال الفرنسيين الذين يقصدونها صباحاً ويعودون إلى ديارهم عشية كل مساء. ولاستكمال رحلة الرفاهية في الفندق، كان لا بد من زيارة منتجع «سانك موند» Cinq Mondes Spa في الطابق السفلي. فخيارات الاعتناء بالوجه والجسم كثيرة ومتنوعة. ويعود الفضل في ذلك إلى «جان لوي بارو» الذي أمضى أكثر من عشر سنوات حول العالم، سعياً وراء إحضار أفضل وسائل التدليك، وأفضل المنتجات الطبيعية والزيوت العطرية. وبذلك ستكون زيارة المنتجع رحلة مع الأحاسيس، وفسحة للراحة والاسترخاء لتنفض عنكم تعب النهار ومشاكل الحياة اليومية.

 

اليوم الثاني

لوزان المدينة ذات الطابع الروماني، عدتُ واكتشفتها من جديد في يومي الثاني. فضاحية «أوشي»Ouchy مكان وجود الفندق هي بلا منازع من أجمل البقع السويسرية على الإطلاق. شعبيتها تتزايد خلال فترتي الربيع والصيف، وتصبح قبلة السياح الذين يتوافدون إليها من البلدان العربية، ومن البلدان الأوروبية المجاورة. وعلمت أن «أوشي» أصبحت جزءاً من مدينة لوزان في منتصف القرن التاسع عشر، بسبب موقعها الجغرافي المميز، ومرفئها القديم الذي منه تنطلق الرحلات المائية إلى المدن والبلدات السويسرية والفرنسية المحاذية للبحيرة.

 

ولا ننسى أن معاهدة لوزان الأولى وقعت في «أوشي» العام 1912، بين كل من مملكة إيطاليا آنذاك والسلطنة العثمانية (تركيا)، وبموجبها انسحبت الدولة العثمانية من ليبيا، وتركت أهلها وحدهم وجهاً لوجه أمام الإيطاليين.

 

وأترك وجه لوزان المائي وأعبر إلى وجهها القديم، حيث يحلو التجول بين أزقتها القديمة وبيوتها النموذجية التي لكل منها ألوانها ومسحتها الجمالية الخاصة بها. فعلى إحدى التلال تقف كاتدرائية لوزان التي يرجع تاريخ تشييدها إلى القرن الثالث عشر. طرازها القوطي، وما تحفل به من زجاج ملون لشبابيكها العتيقة، يجعل من الزيارة ذكرى يصعب نسيانها. فهي واحة للصلاة والتأمل، أو لربما لاستكشاف هذا المكان الذي تجتمع فيه الصلوات وتتلاقى الأماني الطيبة.

 

لقد استطاعت لوزان أن تستغل مكانتها الفريدة كمدينة سياحية من الدرجة الأولى لتوطيد سمعتها في عالم الطب والرعاية الصحية. وهذا الشيء لمسته أثناء زيارتي إلى عيادة «مون شوازي» Montchoisi Clinique التي تتبع شبكة «جينولييه» الطبية السويسرية التي تتصدر بدورها أفضل المستشفيات الخاصة على المستوى الوطني في البلاد. وأثناء جولتي في «مون شوازي» ولقائي مع مجموعة من الأطباء القيمين عليها، أخبروني بأن هذا المركز هو الرائد في مجال طب العيون، كما يقدم خدمات طبية متكاملة كالجراحة العامة، والجراحات التجميلية وغيرها. ونظراً إلى موقع المركز على تلة خضراء، فإن كل غرفه تشرف على أبهى المناظر الطبيعية، حيث بالإمكان استنشاق هواء جبال الألب النقي، والاستفادة من الرعاية الطبية أثناء الإقامة في المركز.

 

اليوم الثالث

هل لديكم 65 ألف دولار أميركي كقسط للتعليم السنوي؟ فإذا كان جوابكم نعم، فما عليكم سوى الاتصال بمدرسة «بريان مون الدولية» Brillantmont International School في وسط لوزان. تتوارث العائلة نفسها الإشراف على المدرسة منذ العام 1882، وفيها تتحقق الفائدة والمتعة في الوقت نفسه، بحيث أن برنامجها الرئيسي يدرس باللغة الإنكليزية، فضلاً عن اللغات الأجنبية الأخرى. تستقبل المدرسة الطلاب من عمر 13 إلى 18 سنة، وتضم أكثر من 35 جنسية أجنبية وعربية. قوانيها صارمة بعض الشيء، وبإمكان الأهل الاطلاع على مستوى أولادهم الدراسي والأخلاقي بشكل يومي من خلال التسجيل عبر موقع المدرسة الإلكتروني. فلكل طالب مساحة خاصة به، بإمكان أهله والمشرفين عليه الحصول على تلك البيانات السرية. كما يمكن للطلاب الالتحاق بالبرنامج الصيفي الذي تقدمه المدرسة، ويستمر من اسبوعين إلى ستة أسابيع. وخلال هذه المدة يتمكن الطلاب ليس فقط من اكتساب العلم والمعرفة، بل واستكشاف سويسرا والقيام برحلات سياحية إلى مدنها وريفها وأعالي جبالها.

 

بعد يوم كامل أمضيته في لوزان وزعته بين شوارعها التجارية، وحديقتها النباتية التي تحتضن أشجاراً ونباتات غريبة ونادرة، ومتحفها الأولمبي الذي شيد العام 1993، كان لا بد من نهاية الرحلة في مطعم «أو بيروت» Obeirut الذي أفتتح العام 2009، وفيه تقدم أشهى المأكولات اللبنانية التي تذوقتها في إطار هندسي مستوحى من الشرق وحضارته الغنية... قبل أن أترك لوزان صبيحة يومي التالي وهي تتهيأ لاستقبال الربيع الذي يجدد الآمال ويكسو القلب بهجة وسروراً.

 

دونوا في مفكرتكم!

* عند زيارتكم مدينة جنيف، لا تترددوا باستخدام القطار الذي ينقلكم عبر أروع المناظر الطبيعية إلى مدينة لوزان التي لا تبعد عنها سوى نصف ساعة. للمزيد من المعلومات حول جدول الرحلات وأسعار البطاقات يمكنكم زيارة الموقع التالي: www.railaway.com

 

* يعتبر فندق «بوريفاج بالاس» Beau-Rivage Palace اللؤلؤة المشعة في عقد الفنادق السويسرية الفخمة. يتميز بموقعه الجغرافي المشرف على بحيرة جنيف، وقمم جبال الألب، ومجموعة من المدن والبلدات الفرنسية الصغيرة التي ستطل عليكم عندما يكون الجو مشمساً. للمزيد من المعلومات عن الفندق يمكنكم زيارة الموقع التالي: www.brp.ch

 

* يزخر هذا الموقع الذي يشرف عليه مكتب السياحة في مدينة لوزان بكثير من المعلومات الغنية التي سيحتاجها أي زائر للمدينة: www.lausanne-tourisme.ch